فصل: ما قيل من الشعر في أمر الخندق وبني قريظة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 ما قيل من الشعر في أمر الخندق وبني قريظة

 شعر ضرار بن الخطاب

قال ضرار بن الخطاب بن مرداس ، أخو بني محارب بن فهر ، في يوم الخندق ‏:‏

ومشفقة تظن بنا الظنونا * وقد قُدنا عرندسة طحونا

كأن زهاءها أحد إذا ما * بدت أركانه للناظرينا

ترى الأبدان فيها مسبغات * على الأبطال واليَلَبَ الحصينا

وجردا كالقداح مسوَّمات * نؤم بها الغواة الخاطيينا

كأنهم إذا صالوا و صُلْنا * بباب الخندقين مصافحونا

أناس لا نرى فيهم رشيدا * وقد قالوا ألسنا راشدينا

فأحجرناهمُ شهرا كريتا * وكنا فوقهم كالقاهرينا

نراوحهم ونغدو كل يوم * عليهم في السلاح مدججينا

بأيدينا صوارم مرهفات * نقدّ بها المفارق والشئونا

كأن وميضهن معرَّيات * إذا لاحت بأيدي مصلتينا

وميض عقيقة لمعت بليل * ترى فيها العقائق مستبينا

فلولا خندق كانوا لديه * لدمرنا عليهم أجمعينا

ولكن حال دونهم وكانوا * به من خوفنا متعوذينا

فإن نرحل فإنا قد تركنا * لدى أبياتكم سعدا رهينا

إذا جن الظلام سمعت نوحي * على سعد يُرجِّعْن الحنينا

وسوف نزوركم عما قريب * كما زرناكم متوازرينا

بجمع من كنانة غير عُزْل * كأسد الغاب قد حمت العرينا

 كعب بن مالك يرد على ضرار

فأجابه كعب بن مالك ، أخو بني سلمة ، فقال ‏:‏

وسائلة تسائل ما لقينا * ولو شهدت رأتنا صابرينا

صبرنا لا نرى لله عدلا * على مانابنا متوكلينا

وكان لنا النبي وزير صدق * به نعلو البرية أجمعينا

نقاتل معشرا ظلموا وعقُّوا * وكانوا بالعداوة مرصدينا

نعاجلهم إذا نهضوا إلينا * بضرب يعجل المتسرعينا

ترانا في فضافض سابغات * كغدران الملا متسربلينا

وفي أيماننا بيض خفاف * بها نشفي مراح الشاغبينا

بباب الخندقين كأن أسدا * شوابكهن يحمين العرينا

فوارسنا إذا بكروا وراحوا * على الأعداء شوسا معلمينا

لننصر أحمدا والله حتى * نكون عباد صدق مخلصينا

ويعلم أهل مكة حين ساروا * وأحزاب أتوا متحزبينا

بأن الله ليس له شريك * وأنا الله مولى المؤمنينا

فإما تقتلوا سعدا سفاها * فإن الله خير القادرينا

سيدخله جنانا طيبات * تكون مقامة للصالحينا

كما قد ردكم فَلاًّ شريدا * بغيظكم خزايا خائبينا

خزايا لم تنالوا ثَمَّ خيرا * وكدتم أن تكونوا دامرينا

بريح عاصف هبت عليكم * فكنتم تحتها متكمِّهينا

 شعر عبدالله بن الزبعرى في غزوة الخندق

وقال عبدالله بن الزبعرى السهمي ، في يوم الخندق ‏:‏

حي الديار محا معارف رسمها * طول البِلى وتراوح الأحقاب

فكأنما كتب اليهود رسومها * إلا الكنيف ومعقد الأطناب

قفرا كأنك لم تكن تلهو بها * في نعمة بأوانس التراب

فاترك تذكُّر ما مضى من عيشة * ومحلة خلق المقام يباب

واذكر بلاء معاشر واشكرهم * ساروا بأجمعهم من الأنصاب

أنصاب مكة عامدين ليثرب * في ذي غياطل جحفل جبجاب

يدع الحزون مناهجا معلومة * في كل نشر ظاهر وشعاب

فيها الجياد شوازب مجنوبة * قُبُّ البطون لواحق الأقراب

من كل سلهبة وأجرد سلهب * كالسيد بادرَ غفلة الرقاب

جيش عيينة قاصد بلوائه * فيه وصخر قائد الأحزاب

قرمان كالبدرَيْن أصبح في هام * غيث الفقير ومعقل الهُراب

حتى إذا وردوا المدينة وارتدوا * للموت كل مجرَّب قضّاب

شهرا وعشرا قاهرين محمدا * وصحابه في الحرب خير صحاب

نادوا برحلتهم صبيحة قلتم * كدنا نكون بها مع الخُيَّاب

لولا الخنادق غادروا من جمعهم * قتلى لطير سُغَّب وذئاب

 رد حسَّان بن ثابت عليه

فأجابه حسَّان بن ثابت الأنصاري ، فقال ‏:‏

هل رسم دارسة المقام يباب * متكلم لمحاور بجواب

قفر عفا رهم السحاب رسومه * وهبوب كل مطلة مرباب

ولقد رأيت بها الحلول يزينهم * بيض الوجوه ثواقب الأحساب

فدع الديار وذكر كل خريدة * بيضاء آنسة الحديث كعاب

و اشك الهموم إلى الإله وما ترى * من معشر ظلموا الرسول غضاب

ساروا بأجمعهم إليه وألبوا * أهل القرى وبوادي الأعراب

جيش عيينة وابن حرب فيهم * متخمطون بحلبة الأحزاب

حتى إذا وردوا المدينة وارتجوا * قتل الرسول ومغنم الأسلاب

وغدوا علينا قادرين بأيدهم * ردوا بغيظهم على الأعقاب

بهبوب معصفة تفرق جمعهم * وجنود ربك سيد الأرباب

فكفى الإله المؤمنين قتالهم * وأثابهم في الأجر خير ثواب

من بعد ما قنطوا ففرق جمعهم * تنزيل نصر مليكنا الوهاب

و أقرَّ عين محمد وصحابه * وأذل كل مكذب مرتاب

عاتي الفؤاد موقَّع ذي ريبة * في الكفر ليس بطاهر الأثواب

علق الشقاء بقلبه ففؤاده * في الكفر آخر هذه الأحقاب

 كعب بن مالك يرد على ابن الزبعرى

وأجابه كعب بن مالك أيضاً ، فقال ‏:‏

أبقى لنا حدث الحروب بقية * من خير نحلة ربنا الوهاب

بيضاء مشرفة الذُّرى ومعاطنا * حُمَّ الجذوع غزيرة الأحلاب

كاللُّوب يبذل جمها وحفيلها * للجار وابن العم والمنتاب

ونزائعا مثل السِّراح نمى بها * علف الشعير وجزة المقضاب

عري الشوى منها وأردف نحضها * جرد المتون وسائر الآراب

قُودا تراح إلى الصياح إذ غدت * فعل الضراء تراح للكلاّب

وتحوط سائمة الديار وتارة * تُردي العدا وتئوب بالأسلاب

حوش الوحوش مطارة عند الوغى * عُبْس اللقاء مبينة الإنجاب

عُلفت على دعة فصارت بُدَّنا * دُخْس البضيع خفيفة الأقصاب

يغدون بالزغف المضاعف شكة * وبمترصات في الثقاف صياب

و صوارم نزع الصياقل غلبها * وبكل أروع ماجد الأنساب

يصل اليمين بمارن متقارب * وُكلت وقيعته إلى خبَّاب

وأغر أزرق في القناة كأنه * في طُخْية الظلماء ضوء شهاب

وكتيبة ينفي القرانَ قتيرُها * وترد حد قواحذ النُّشاب

جأوى ململمة كأن رماحها * في كل مجَمعة ضريمةُ غاب

يأوي إلى ظِل اللواء كأنه * في صعدة الخطِّي فيء عقاب

أعيت أبا كرب وأعيت تُبَّعا * وأبت بسالتها على الأعراب

ومواعظ من ربنا نهُدَى بها * بلسان أزهرَ طيب الأثواب

عرضت علينا فاشتهينا ذكرها * من بعد ما عرضت على الأحزاب

حكما يراها المجرمون بزعمهم * حرجا ويفهمها ذوو الألباب

جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليُغلبنَّ مُغالِبُ الغلاّب

قال ابن هشام ‏:‏ حدثني من أثق به ، حدثني عبدالملك بن يحيى بن عباد ابن عبدالله بن الزبير ، قال ‏:‏ لما قال كعب بن مالك ‏:‏

جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب

قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال كعب بن مالك في يوم الخندق ‏:‏

من سره ضرب يمعمع بعضه * بعضا كمعمعة الأباء المحرق

فليأت مأسدة تُسنّ سيوفها * بين المذاد وبين جزع الخندق

درِبوا بضرب المُعلِمين وأسلموا * مهجات أنفسهم لرب المشرق

في عصبة نصر الإله نبيَّه * بهم وكان بعبده ذا مرفق

في كل سابغة تخط فضولها * كالنهي هبت ريحه المترقرق

بيضاء محكمة كأن قتيرها * حدق الجنادب ذات شك موثق

جدلاء يحفزها نجاد مهند * صافي الحديد صارم ذي رونق

تلكم مع التقوى تكون لباسنا * يوم الهياج وكل ساعة مصدق

نَصِل السيوف إذا قصرن بخطونا * قدما ونلحقها إذا لم تلحق

فترى الجماجم ضاحيا هاماتها * بَلْهَ الأكف كأنها لم تخلق

نلقى العدو بفخمة ملمومة * تنفي الجموع كفصد رأس المشرق

ونُعِد للأعداء كل مقلَّص * ورد ومحجول القوائم أبلق

تَردي بفرسان كأن كماتهم * عند الهياج أسود طَلّ مُلثق

صُدق يعاطون الكماة حتوفهم * تحت العماية بالوشيج المزهق

أمر الإله بربطها لعدوه * في الحرب إن الله خير موفق

لتكون غيظا للعدو وحُيَّطا * للدار إن دلفت خيولا النُّزَّق

ويُعيننا الله العزيز بقوة * منه وصدق الصبر ساعة نلتقي

ونطيع أمر نبينا ونجيبه * وإذا دعا لكريهة لم نُسبق

ومتى يناد إلى الشدائد نأتها * ومتى نرى الحومات فيها نُعنق

من يتَّبع قول النبي فإنه * فينا مطاع الأمر حق مصدَّق

فبذاك ينصرنا ويُظهر عزنا * ويُصيبنا من نيل ذاك بمرفق

إن الذين يكذبون محمدا * كفروا وضلوا عن سبيل المتَّقي

قال ابن هشام ‏:‏ أنشدني بيته ‏:‏

تلكم مع التقوى تكون لباسنا

وبيته ‏:‏

من يتبع قول النبي *

أبو زيد ‏.‏ وأنشدني ‏:‏

تنفي الجموع كرأس قدس المشرق

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال كعب بن مالك في يوم الخندق ‏:‏

لقد علم الأحزاب حين تألَّبوا * علينا وراموا ديننا ما نوادع

أضاميم من قيس بن عيلان أصفقت * وخندف لم يدروا بما هو واقع

يذودوننا عن ديننا ونذودهم * عن الكفر والرحمن راء وسامع

إذا غايظونا في مقام أعاننا * على غيظهم نصر من الله واسع

وذلك حفظ الله فينا وفضله * علينا ومن لم يحفظ اللهُ ضائع

هدانا لدين الحق واختاره لنا * ولله فوق الصانعين صنائع

قال ابن هشام ‏:‏ وهذه الأبيات في قصيدة له ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال كعب بن مالك في يوم الخندق ‏:‏

ألا أبلغ قريشا أن سلعا * وما بين العُريض إلى الصماد

نُواضح في الحروب مدرَّبات * وخوص ثُقِّبت من عهد عاد

رواكد يزخر المرار فيها * فليست بالجمام ولا الثماد

كأن الغاب والبرديَّ فيها * أجش إذا تبقَّع للحصاد

ولم نجعل تجارتنا اشتراء الـْ * ـحمير لأرض دوس أو مراد

بلاد لم تُثر إلا لكيما * نجالد إن نشِطتم للجلاد

أثرنا سكة الأنباط فيها * فلم تر مثلها جلهات واد

قصرنا كل ذي حضر وطول * على الغايات مقتدر جواد

أجيبونا إلى ما نجتديكم * من القول المبين والسداد

وإلا فاصبروا لجلاد يوم * لكم منا إلى شطر المذاد

نصبحكم بكل أخي حروب * وكل مطهَّم سلس القياد

وكل طِمرَّة خفق حشاها * تدف دفيف صفراء الجراد

وكل مقلَّص الآراب نهد * تميم الخلق من أُخْر وهادي

خيول لا تُضاع إذا أُضيعت * خيول الناس في السنة الجماد

ينازعن الأعنة مصغيات * إذا نادى إلى الفزع المنادي

إذا قالت لنا النذر استعدوا * توكلنا على رب العباد

وقلنا لن يفرج ما لقينا * سوى ضرب القوانس والجهاد

فلم تر عصبة فيمن لقينا * من الأقوام من قار وبادي

أشد بسالة منا إذا ما * أردناه وألين في الوداد

إذا ما نحن أشرجنا عليها * جياد الجُدْل في الأُرَب الشداد

قذفنا في السوابغ كل صقر * كريم غير معتلث الزناد

أشم كانه أسد عبوس * غداة بدا ببطن الجزع غادي

يغشّي هامة البطل المذكَّى * صبيَّ السيف مسترخي النجاد

لنظهر دينك اللهم إنا * بكفك فاهدنا سبل الرشاد

قال ابن هشام بيته ‏:‏

قصرنا كل ذي حُضْر وطَول *

والبيت الذي يتلوه ، والبيت الثالث منه ، والبيت الرابع منه ، وبيته ‏:‏

أشم كأنه أسد عبوس *

والبيت الذي يتلوه ، عن أبي زيد الأنصاري ‏.‏

 ما بكى به مسافع عمرو بن عبد ود

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح ، يبكي عمرو بن عبد ود ، ويذكر قتل علي بن أبي طالب إياه ‏:‏

عمرو بن عبد كان أول فارس * جزع المذاد وكان فارس يليل

سمح الخلائق ماجد ذو مرة * يبغي القتال بشكة لم ينكل

و لقد علمتم حين ولوا عنكم * أن ابن عبد فيهم لم يعجل

حتى تكنَّفه الكماة وكلهم * يبغي مقاتله وليس بمؤتلي

ولقد تكنَّفت الأسنة فارسا * بجنوب سلع غير نكس أميل

تسل النزال عليّ فارس غالب * بجنوب سلع ، ليته لم ينزل

فاذهب عليّ فما ظفرت بمثله * فخرا ولا لاقيت مثل المعضل

نفسي الفداء لفارس من غالب * لاقى حمام الموت لم يتحلحل

أعني الذي جزع المذاد بمهره * طلبا لثأر معاشر لم يخذل

ما أنب به مسافع الفرسان أصحاب عمرو بن عبد ود

وقال مسافع أيضاً يؤنب فرسا عمرو الذين كانوا معه ، فأجلوا عنه وتركوه ‏:‏

عمرو بن عبد والجياد يقودها * خيل تقاد له وخيل تنعل

أجلت فوارسه وغادر رهطه * ركنا عظيما كان فيها أول

عجبا وإن أعجب فقد أبصرته * مهما تسوم علي عمرا ينزل

لا تبعدن فقد أصبت بقتله * ولقيت قبل الموت أمرا يثقل

وهبيرة المسلوب ولى مدبرا * عند القتال مخافة أن يقتلوا

وضرار كأن البأس منه محضرا * ولى كما ولى اللئيم الأعزل

قال ابن هشام ‏:‏ وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له ‏.‏ وقوله ‏:‏ ‏(‏ عمرا ينزل ‏)‏ عن غير ابن إسحاق ‏.‏

 ما قاله هبيرة في فراره ورثائه عمر بن عبد ود

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال هبيرة بن أبي وهب يعتذر من فراره ، ويبكي عمرا ، ويذكر قتل علي إياه ‏:‏

لعمري ما وليت ظهري محمدا * وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل

ولكنني قلبت أمري فلم أجد * لسيفي غناء إن ضربت ولا نبلي

وقفت فلما لم أجد لي مقدما * صدرت كضرغام هزبر أبي شبل

ثنى عطفه عن قرنه حين لم يجد * مكرا وقدما كان ذلك من فعلي

فلا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * وحق لحسن المدح مثلك من مثلي

ولا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * فقد بنت محمود الثنا ماجد الأصل

فمن لطراد الخيل تقدع بالقنا * وللفخر يوما عند قرقرة البزل

هنالك لو كان ابن عبد لزارها * وفرجها حقا فتى غير ما وغل

فعنك علي لا أرى مثل موقف * وقفت على نجد المقدم كالفحل

فما ظفرت كفاك فخرا بمثله * أمنت به ما عشت من زلة النعل

ما قاله هبيرة في رثاء عمرو أيضاً

وقال هبيرة بن أبي وهب يبكي عمرو بن عبد ود ، ويذكر قتل علي إياه ‏:‏

لقد علمت عليا لؤي بن غالب * لفارسها عمرو إذا ناب نائب

لفارسها عمرو إذا ما يسومه * علي وإن الليث لا بد طالب

عشية يدعوه علي وإنه * لفارسها إذ خام عنه الكتائب

فيا لهف نفسي إن عمرا تركته * بيثرب لا زالت هناك المصائب

 حسَّان يفتخر بقتل عمرو

وقال حسَّان بن ثابت يفتخر بقتل عمرو بن عبد ود ‏:‏

بقيتكم عمرو أبحناه بالقنا * بيثرب نحمي والحماة قليل

ونحن قتلناكم بكل مهند * ونحن ولاة الحرب حين نصول

ونحن قتلناكم ببدر فأصبحت * معاشركم في الهالكين تجول

قال ابن هشام ‏:‏ وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في شأن عمرو بن عبد ود ‏:‏

أمسى الفتى عمرو بن عبد يبتغي * بجنوب يثرب ثأره لم ينظر

فلقد وجدت سيوفنا مشهورة * ولقد وجدت جيادنا لم تقصر

ولقد لقيت غداة بدر عصبة * ضربوك ضربا غير ضرب الحسر

أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة * يا عمرو أو لجسيم أمر منكر

قال ابن هشام ‏:‏ وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال حسَّان بن ثابت أيضاً ‏:‏

الا أبلغ أبا هدم رسولا * مغلغلة تخب بها المطي

أكنت وليكم في كل كره * وغيري في الرخاء هو الولي

و منكم شاهد ولقد رآني * رفعت له كما احتمل الصبي

قال ابن هشام ‏:‏ وتروى هذه الأبيات لربيعة بن أمية الديلي ، ويروى فيها آخرها ‏:‏

كببت الخزرجي على يديه * وكان شفاء نفسي الخزرجي

وتروى أيضاً لأبي أسامة الجشمي ‏.‏

 ما قاله حسَّان في بكاء سعد بن معاذ

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال حسَّان بن ثابت في يوم بن قريظة يبكي سعد بن معاذ ، ويذكر حكمه فيهم‏:‏

لقد سجمت من دمع عيني عبرة * وحق لعيني أن تفيض على سعد

قتيل ثوى في معرك فجعت به * عيون ذواري الدمع دائمة الوجد

على ملة الرحمن وارث جنة * مع الشهداء وفدها أكرم الوفد

فإن تك قد ودعتنا وتركتنا * وأمسيت في غبراء مظلمة اللحد

فأنت الذي يا سعد أبت بمشهد * كريم وأثواب المكارم والحمد

بحكمك في حيي قريظة بالذي * قضى الله فيهم ما قضيت على عمد

فوافق حكم الله حكمك فيهمُ * ولم تعف إذ ذكرت ما كان من عهد

فإن كان ريب الدهر أمضاك في الألى * شروا هذه الدنيا بجناتها الخلد

فنعم مصير الصادقين إذا دعوا * إلى الله يوما للوجاهة والقصد

 ما قاله حسَّان في بكاء سعد بن معاذ وغيره

وقال حسَّان بن ثابت أيضاً ، يبكي سعد بن معاذ ، ورجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشهداء ، ويذكرهم بما كان فيهم من الخير ‏:‏

ألا يا لقومي هل لما حُمّ دافع * و هل ما مضى من صالح العيش راجع

تذكرت عصرا قد مضى فتهافتت * بنات الحشى وانهل مني المدامع

صبابة وجد ذكرتني أحبة * وقتلى مضى فيها طفيل ورافع

وسعد فأضحوا في الجنان وأوحشت * منازلهم فالأرض منهم بلاقع

وفوا يوم بدر للرسول و فوقهم * ظلال المنايا والسيوف اللوامع

دعا فأجابوه بحق وكلهم * مطيع له في كل أمر وسامع

فما نكلوا حتى تولوا جماعة * ولا يقطع الآجال إلا المضارع

لأنهم يرجون منه شفاعة * إذا لم يكن إلا النبيون شافع

فذلك يا خير العباد بلاؤنا * إجابتنا لله والموت ناقع

لنا القدم الأولى إليك وخلفنا * لأوّلنا في ملة الله تابع

ونعلم أن الملك لله وحده * وأن قضاء الله لا بد واقع

 ما قاله حسَّان في يوم بني قريظة

وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في يوم بني قريظة ‏:‏

لقد لقيت قريظة ما سآها * وما وجدت لذل من نصير

أصابهم بلاء كان فيه * سوى ما قد أصاب بني النضير

غداة أتاهم يهوي إليهم * رسول الله كالقمر المنير

له خيل مجنَّبة تَعادَى * بفرسان عليها كالصقور

تركناهم وما ظفروا بشيء * دماؤهمُ عليهم كالغدير

فهم صرعى تحوم الطير فيهم * كذاك يُدان ذو العند الفَجور

فأنذرْ مثلها نصحا قريشا * من الرحمن إن قبلت نذيري

وقال حسَّان بن ثابت في بني قريظة

لقد لقيت قريظة ما سآها * وحل بحصنها ذل ذليل

وسعد كان أنذرهم بنصح * بأن إلهكم رب جليل

فما برحوا بنقص العهد حتى * فَلاهم في بلادهمُ الرسول

أحاط بحصنهم منا صفوف * له من حَرّ وقعتهم صليل

وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في يوم بني قريظة ‏:‏

تفاقد معشر نصروا قريشا وليس لهم ببلدتهم نصير

هم أوتوا الكتاب فضيعوه * وهم عمي من التوراة بور

كفرتم بالقرآن وقد أتيتم * بتصديق الذي قال النذير

فهان على سراة بني لؤي * حريق بالبُويرة مستطير

 أبو سفيان يرد على حسَّان

فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، فقال ‏:‏

أدام الله ذلك من صنيع * وحرّق في طرائقها السعير

ستعلم أينا منها بنُزه * وتعلم أي أرضينا تضير

فلو كان النخيل بها ركابا * لقالوا لا مُقام لكم فسيروا

 جبل بن جوال يرد على حسان

وأجابه جبل بن جوال الثعلبي أيضاً ، وبكى النضير وقريظة ، فقال ‏:‏

ألا يا سعد سعد بني معاذ * لما لقيت قريظة والنضير

لعمرك إن سعد بني معاذ * غداة تحمَّلوا لهو الصبور

فأما الخزرجي أبو حُباب * فقال لقينقاع لا تسيروا

وبُدّلت الموالي من حضير * أسيد والدوائر قد تدور

وأقفرت البويرة من سلام * وسعية وابن أخطب فهي بور

وقد كانوا ببلدتهم ثقالا * كما ثقلت بمَيْطان الصخور

فإن يهلك أبو حكم سلام * فلا رثُّ السلاح ولا دَثُور

وكل الكاهنَيْن وكان فيهم * مع اللين الخضارمة الصقور

وجدنا المجد قد ثبتوا عليه * بمجد لا تغيِّبه البدور

أقيموا يا سراة الأوس فيها * كأنكم من المخزاة عور

تركتم قدركم لا شيء فيها * وقدر القوم حامية تفور